تحدى الحياة فى زمن "الكورونا"!
بقلم: عبدالمحسن سلامة
لا أدرى لماذا تذكرت رواية الأديب العالمى غابرييل غارسيا ماركيز، الحائز على جائزة نوبل فى الأدب، "الحب فى زمن الكوليرا" هذه الأيام بعد تفشى وباء "كورونا"، وتصنيف منظمة الصحة العالمية بأنه وباء عالمى بعد أن طال كل دول العالم بلا استثناء، وأصبح يهاجم البشرية بشراسة، ويحصد منها آلاف الأرواح، فى وقت يسابق فيه العلم والعلماء الزمن، للتوصل إلى لقاح للوقاية منه، وعلاج المصابين الذين وقعوا ضحايا له قبل أن تتدهور أحوالهم إلى الأسوأ.
تدور أحداث رواية الأديب العالمى الشهير عن قصة حب بين رجل وامرأة منذ المراهقة حتى بلوغهما سن السبعين، وتسهب الراوية فى وصف أحداث الحروب الأهلية بمنطقة الكاريبى فى الفترة من أواخر القرن التاسع عشر حتى العقود الأولى من القرن العشرين، وترصد أحوال المنطقة الاقتصادية والأدبية والجغرافية.
فى القرية الصغيرة القابعة فى منطقة الكاريبى يتعاهد عامل التليغراف "فلورنتينو" مع التلميذة رائعة الجمال "فرمينيا" على الزواج والحب مدى الحياة، إلا أن التلميذة تزوجت من طبيب مشهور، ويجاهد العامل البسيط لكى يصبح مشهورا وثريا، ويتمسك بحبه حتى وفاة زوج حبيبته، لكنها كانت قد تعدت السبعين، وتحولا إلى صديقين.
فى نهاية الرواية يدعوها إلى رحلة نهرية على متن سفينة يملكها، وكانت الكوليرا منتشرة فى تلك الأثناء، ويستغل العاشق تلك الأزمة ليتخلص من ركاب السفينة كلها، ليبقى وحيدا مع محبوبته، محاولا خداع الآخرين، رافعا العلم الأصفر، لكى لا تنتهى الرحلة.
تذكرت تلك الرواية وأنا أتابع الصراع الذى وصل إلى "التلاسن" بين أمريكا والصين، وكل منهما يحاول إلقاء تهمة تفشى المرض على الآخر، وكذلك الصراع الساخن الآن بين الدول الكبرى من أجل الوصول أولا إلى اللقاح والعلاج، دون أن يكون هناك تنسيق فيما بينهما، فى محاولة من كلا منهم استغلال الأزمة، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب، كما فعل "فلورنتينو"، بطل راوية "الحب فى زمن الكوليرا"، حينما أستغل أزمة انتشار وباء الكوليرا لمصلحته، وتحقيق حلمه الشخصى على حساب الآخرين.
للأسف الشديد أثبت وباء "كورونا" هشاشة النظام العالمى، مما دعا أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الخميس الماضى إلى مطالبة دول العالم بالتضامن فى مواجهة تفشى فيروس "كورونا" المستجد، مشيرا إلى أن العالم يواجه عدوا مشتركا، بعد أن أصبح فى حالة حرب مع فيروس يقتل الناس، ويهاجم الاقتصاد الحقيقى والتجارة فى الصميم.
المهم إنه دعا قادة العالم إلى الاجتماع من أجل تقديم استجابة عاجلة ومنسقة لهذه الأزمة.
من الضرورى أن يستجيب قادة العالم لصرخة "جوتيريش"، قبل أن تتفاقم الأمور أكثر مما هى عليه الآن، والبداية من مجموعة العشرين، التى من المقرر أن تنعقد خلال الأسبوع الحالى أو المقبل على أكثر تقدير، والأهم من انعقاد الاجتماع هو ضرورة أن يتوحد العالم فى مواجهة "كورونا"، بعيدا عن محاولات استثمار الأزمة وحصد المكاسب على أشلاء الضحايا الأبرياء فى كل مكان.
وحتى يحدث التنسيق الدولى، وتتحقق دعوة "جوتيريش"، الأمين العام للأمم المتحدة، فإنه يبقى "كورونا" حالة خاصة لكل دولة على حدة، تقوم بأخذ الخطوات اللازمة لمواجهته، فى إطار ظروفها، وحالة تقدير الموقف بها، وربما يكون ما حدث فى الصين طاقة أمل لقرب "انقشاع" الأزمة، حيث تشير الأنباء الواردة من الصين إلى أنه، ولأول مرة، لا يتم تسجيل أى إصابات جديدة الخميس والجمعة الماضيين فى مدينة "ووهان" الصينية، بؤرة انتشار الفيروس، بعد شهرين كاملين من إغلاق المدينة، وهو مؤشر يشير إلى إمكان السيطرة على الفيروس القاتل ووقف انتشاره، وإن كان الوقت لايزال مبكرا لإصدار حكم نهائى.
أعتقد أن نجاج التجربة الصينية ـ إذا تأكدت النتائج - يتطلب دراسة تلك التجربة والاستفادة منها على مستوى كل دولة، خاصة فيما يخص إجراءات العزل والوقاية والعلاج، وهى الإجراءات الأهم فى مواجهة الفيروس القاتل.
فى مصر، ورغم أنه - بحمد الله - مازالت من أقل الدول المتضررة فى هذا الشأن، فقد كانت المواجهة حاسمة وسريعة منذ بدء ظهور أول حالة للفيروس، التى كانت لسائحة تايوانية.
منذ ذلك الحين أعلنت الدولة بكل أجهزتها الاستنفار العام فى مواجهة "كورونا"، ولكن بعيدا عن التهويل والشائعات الكاذبة التى تهدف إلى النيل من الدولة ومؤسساتها المختلفة.
المثيرون للشائعات أكثر سوءا من تجار الأزمات، لأنهم يخلطون السياسة بصحة البشر، ويريدون هدم الدولة، وبث الرعب فى نفوس المصريين، بعيدا عن لغة الحقائق والأرقام.
منذ بداية الأزمة كانت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحة وقوية كعادته فى معالجة الأزمات، وهى الحرص على أرواح المصريين، وبذل كل الجهود، لمحاصرة الفيروس القاتل فى مهده، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، وطبقا لأحدث المعايير الدولية والعالمية فى هذا الإطار.
أعتقد أن زيارة وزيرة الصحة، د. هالة زايد، الصين قبل أن تظهر حالات إصابة فى مصر كانت توجيها رائعا من الرئيس السيسى، لاستباق الأحداث، فالزيارة ليست ترفيهية، وإنما هى زيارة عمل، لمعرفة الأوضاع على الطبيعة فى الصين، وتقديم كل الدعم والمساندة من مصر إلى الشعب الصينى الصديق، وفى الوقت نفسه الإلمام بكل التفاصيل الخاصة بالفيروس القاتل، وطرق مواجهته، والمستجدات المستحدثة فى تلك المواجهة، وهو ما انعكس على التجهيزات المصرية فور إعلان حدوث حالات الإصابة الأولى فى مصر، ليتم التعامل معها طبقا لبروتوكولات منظمة الصحة العالمية، وطبقا لأحدث الأساليب، بعد أن تم تخصيص مستشفى بكل محافظة، للتعامل مع المصابين، ورفع درجة الاستعداد القصوى فى كل أجهزة الدولة، للتعامل مع الأزمة الطارئة.
أعتقد أن الأيام المقبلة ربما ستشهد إجراءات أكثر صرامة، بعد أن تم إيقاف الدراسة، وحظر التجمعات ليلا فى المقاهى والمطاعم والمولات، لكن تظل هناك مشكلة فى الوعى العام لبعض فئات الشعب المصرى، الذى لايزال يتعامل بعدم وعى يصل إلى درجة الاستهتار مع تعليمات أجهزة الدولة مثل التحايل على غلق المقاهى وأماكن التجمعات الليلية وعدم الالتزام بالبقاء فى المنازل.
أيضا هناك فئة للأسف من تجاز الأزمات، خاصة بعض المدرسين ضعاف النفوس، الذين لايزالون يصرون على التحايل على غلق "السناتر" وأماكن الدروس الخصوصية، ويتلاعبون بشكل فج فى ذلك الأمر، مما يعرضهم والتلاميذ لمخاطر العدوى.
كذلك أيضا السلوك غير الحضارى فى تخزين كميات ضخمة من الأطعمة والأدوية غير الضرورية، فى وقت تؤكد فيه الحكومة على توافر كل السلع دون الحاجة إلى أساليب "التخزين"، التى تؤدى إلى المغالاة فى الأسعار دون ضرورة، وتزيد من صعوبة الحياة على الفئات الكادحة والمتوسطة من أبناء الشعب المصرى.
إذا كان السلوك الجماعى الدولى مهما وضروريا على مستوى العالم، لكى يتخطى العالم الأزمة، فإنه أكثر ضرورة وإلحاحا على مستوى الدولة الواحدة، ومن هنا يأتى دور الوعى الجمعى للمجتمع المصرى فى تلك الأزمة الطارئة، والاصطفاف الوطنى خلف الدولة ومؤسساتها المختلفة، لإنجاح جهود مكافحة هذا العدو القاتل، ووأد الشائعات التى كشفت المعدن الخبيث لمروجيها، وأنه لا هدف لهم سوى النيل من مصر والمصريين.